فصل: مسألة عليه مائة دينار سلفا وليس له منها وفاء فأقامت بيده ستة أشهر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة يبتاع الجارية للبيع فتعجبه فيبدو له فيحبسها للوطء ثم يبدو له بعد مدة فيبيعها:

ومن كتاب الزكاة:
وسئل مالك: عن رجل يبتاع الجارية فيريد البيع فتعجبه فيبدو له أن يحبسها يطؤها فتقيم عنده ثلاث سنين، ثم يبدو له فيبيعها، أيزكي ثمنها حين يبيعها؟ قال: نعم، يزكي ثمنها حين بيعها؛ قيل له: إنه حين أمسكها، أمسكها لا يريد بيعها؛ فقال: أرى أن يزكي ثمنها- إذا باعها.
قال محمد بن رشد: اتفق ابن القاسم وأشهب في الذي يرث السلعة، أو يشتريها للقنية، أنها لا ترجع إلى التجارة لنيته، واختلفا إذا اشتراها للتجارة ثم نوى بها القنية، فقال أشهب: أنها لا ترجع بنيته إلى القنية؛ ورواه عن مالك، وقال ابن القاسم: إنها ترجع بنيته إلى القنية، ورواه أيضا عن مالك؛ لأن الأصل القنية، فترجع السلعة إلى الأصل بالنية، ولا ترجع عن الأصل بالنية، وذهب أشهب إلى أنهما أصلان، فلا ترجع السلعة من أحدهما إلى الآخر بالنية؛ ورواه عن مالك بقوله في الذي يبتاع الجارية للبيع فتعجبه فيبدو له فيحبسها للوطء، ثم يبدو له بعد مدة فيبيعها؛ أنه يزكي ثمنها حتى يبيعها هو على أصله الذي رواه أشهب عنه في أن ما كان من العروض للتجارة، لا يرجع إلى القنية بالنية، وعلى قول ابن القاسم وروايته عن مالك في أن ما كان أصله للتجارة يرجع إلى القنية بالنية، يستقبل بثمن الجارية حولا من يوم قبضه- وبالله التوفيق.

.مسألة يبتاع الجارية يختدمها فتقيم عنده سنين تخدمه ثم يبيعها أيزكي ثمنها:

قال: وسئل: عن الذي يبتاع الجارية يختدمها فتقيم عنده سنين تخدمه، ثم يبيعها، أيزكي ثمنها؟ فقال: نعم، ثم أطرق شيئا ثم التفت إلى السائل، فقال: إن الذي سألت عنه يختلف من الناس من يشتري الولائد يخدمنه، ثم يبيع، فهذا الذي أرى عليه الزكاة إذا باع؛ فأما الذي يشتري الخادم للخدمة ليس يرصد فيها بيعا ولا يهم به ولا يريده؛ فلا أرى عليه زكاة حتى يحول على الثمن الحول.
قال محمد بن رشد: ما فسر مالك في آخر المسألة يقضي على أن جوابه في أولها إنما هو في الذي يشتري الجارية لتخدمه، وفي نفسه إن وجد ثمنا باعها، وأما الذي يشتري الجارية لتخدمه لا يريد بيعها ولا يهم به، فلا اختلاف في أنه لا زكاة عليه في ثمنها- إن باعها حتى يحول عليه الحول، وقوله هذا جار على أصله في رواية أشهب عنه أن ما اشتري للتجارة لا يرجع بالنية إلى القنية، كما لا يرجع ما ورث أو اشتري للقنية إلى التجارة بالنية؛ وذلك أنه لما كانت القنية والتجارة عنده أصلين لا يرجع أحدهما إلى صاحبه- بالنية، فاشترى الجارية للوجهين جميعا، غلب التجارة احتياطا للزكاة كالبينتين إذا أوجبت إحداهما حكما، ونفته الأخرى، أنه يؤخذ بالموجبة للحكم دون النافية له؛ وكما قال مالك فيمن له أهل بمكة، وأهل ببعض الآفاق، إنه متمتع يجب عليه الهدي؛ وهي رواية ابن غانم عن مالك، واختيار سحنون، وعلى مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك، إذا اشترى للوجهين جميعا، يغلب القنية؛ فلا تجب عليه الزكاة- إذا باع حتى يستقبل بالثمن حولا على أصله في أن ما اشتراه للتجارة، يرجع إلى القنية بالنية؛ لأنها هي الأصل؛ وقد روى ذلك ابن وهب أيضا عن مالك، واختلف قول مالك في رواية ابن القاسم عنه فيما اشترى للغلة بالكراء من المساكين، أو العبيد، أو الثياب، لا لسكنى ولا استخدام، ولا لباس، فمرة قال: عليه الزكاة- إذا باع، ومرة قال: لا زكاة عليه حتى يستقبل بالثمن حولا، ولسحنون في نوازله مثل ذلك في مسألة السفينة- وبالله التوفيق.

.مسألة يقطع من ماله قطعة قبل أن يحول عليها الحول:

وسئل: عن الذي يقطع من ماله قطعة قبل أن يحول عليها الحول، فيبعث بها إلى مصر يبتاع بها طعاما يريد أكله، لا يريد بيعا؛ فيحول عليه الحول قبل أن يشتري بها، قال: أرى فيه الزكاة؛ فقيل: إنه قد بعث بها وخرجت من يده بيعا، فقال: ما أرى الزكاة إلا عليه.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن العين في عينه الزكاة وليس مما يقتنى للانتفاع بعينه، فلا تأثير لما نواه من صرفه إلى قوته في إسقاط الزكاة منه، ولا يدخل في هذا الاختلاف الذي مضى في رسم تأخير صلاة العشاء من سماع ابن القاسم في الذي يشتري الحلي فيريد أن يحبسه حتى يصدقه امرأة يتزوجها؛ لأن الحلي يصلح اقتناؤه للانتفاع بعينه، بخلاف العين.
وقال ابن نافع في المجموعة: وإن جاءه الطعام وهو كثير لا ينفقه في مثل خمس سنين وشبه ذلك، فإنه إذا باع الحول ما يجاوز قوت مثله، زكى ثمنه، وقوله صحيح؛ ووجهه أنه إذا كان الطعام كثيرا، فقد علم أنه لم يشتره كله لقوته، وإنما أراد أن يتقوت ببعضه ويبيع بعضه؛ فإذا باع بعد الحول ما تجاوز قوت مثله أي من الأعوام، إذ من الناس من يتقوت لعام واحد، ومنهم من يتقوت لعامين، ومنهم من يتقوت للأعوام، وذلك على قدر اليسار والجدة، وما يتمكن من شراء الطعام، ويخاف من غلائه؛ وإنما ذكر الخمس سنين؛ لأنه يبعد عنده أن يتقوت أحد إلى خمس سنين، ولعل الطعام في ذلك البلد يسرع إليه الفساد قبل خمس سنين، فيعلم أنه لم يشتر جملته للقوت- والله أعلم.

.مسألة يكون له المال فيزكيه فيشتري به سلعة بنقد فيبيعها قبل أن ينقد فيها فربح:

وسئل: عن الرجل كانت عنده مائة دينار، ستة أشهر، ثم اشترى بها برا فلم ينقدها حتى أربحه إنسان في البر ثلاثين دينارا، فباعه إياه وأخذ الثلاثين فجعلها مع المائة، فأقام بذلك ستة أشهر أخرى، فتمت السنة على المائة دينار؛ أيزكي الثلاثين مع المائة دينار التي قد حال عليها الحول؟ قال: لا، ولكن يزكي المائة إذا كان قد حال حولها، ولا يزكي الثلاثين حتى يحول عليها الحول من يوم ربحها وصارت له، وقد قال مالك من رواية ابن القاسم عن مالك من كتاب أوله شك في طوافه.
قال ابن القاسم: سئل مالك: عن الرجل يكون له المال فيزكيه فيشتري به سلعة بنقد، فيبيعها قبل أن ينقد فيها فربح، أترى أن يزكي ذلك الربح مع ماله إذا حال عليه الحول؟
قال: نعم، وكذلك التجار الذين يشترون ويبيعون ولا ينقدون ثمنا؛ هؤلاء الذين يحضرون السوق، فهؤلاء إذا حال عليهم الحول، زكوا ما بأيديهم؛ قال مالك: وجل الناس ليس لهم نقد.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة، وتحصيل ما فيها من الاختلاف في أول رسم من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته.

.مسألة يقدم زكاة ماله قبل محلها:

من سماع عيسى من ابن القاسم من كتاب أوله نقدها نقدها:
قال عيسى: وقال ابن القاسم: في الذي يقدم زكاة ماله قبل محلها، قال: لا يعجبني، إلا أن يكون الشيء القريب، وأرى الشهر قريبا على زحف وكره، ولم أره يرى عليه إعادتها في إخراجه إياها قبل محلها بشهر.
قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة، وما فيها من الاختلاف في أول رسم من سماع أشهب، فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة دفن الرجل بضاعة له فضل عنه موضعها فلم يجدها سنين ثم وجدها زكاتها:

ومن كتاب أوله استأذن سيده:
قال: وقال مالك: إذا دفن الرجل بضاعة له، فضل عنه موضعها، فلم يجدها سنين، ثم وجدها، فإنه يزكيها لكل سنة مضت، وقال سحنون مثله. وإذا وجد لقطة له سقطت منه، فوجدها بعد سنين، فليس عليه إلا زكاة واحدة؛ قال سحنون: اللقطة بمنزلة المال المدفون- إذا كان الملتقط حبسها ولم يحركها، زكاها ربها لكل سنة غابت عنه اللقطة؛ لأنه لم يكن ضمارا، وإنما الضمار المال المحبوس عن صاحبه الذي يكون على الذي حبسه ضمانه، ألا ترى أن اللقطة لو تلفت في يد الذي التقطها، لم يكن عليه ضمانها، وإنما الضمار المال الذي يغتصبه صاحبه، فيكون في يد الغاصب في ضمانه حين غصبه، فعلى الغاصب فيه الزكاة، ولا يكون على سيده فيه الزكاة للسنين كلها، إلا سنة واحدة؛ وإن كان الملتقط تسلفها لنفسه حتى يصير في ضمانه، فحكمها حكم الدين- زكاة واحدة لما مضى من السنين؛ قال: قلت لأشهب: فهل يقبل قول الملتقط أو المستودع إن كان تسلفها ويضمنها، أم لا؟ فقال: نعم، يسأل عن ذلك، فما قال قبل قوله، وكان ذلك في أمانته؛ فإن قال كنت تسلفتها، لم يجب على صاحبها إلا زكاة واحدة، وإن قال حبستها وكانت عندي موقوفة، كانت على حال ما أعلمتك، يزكيها لكل سنة مضت.
قال محمد بن رشد: فرق مالك في هذه الرواية بين المال المدفون يضل عن صاحبه موضعه، فيجده بعد سنين؛ وبين اللقطة ترجع إلى ربها بعد سنين، فأوجب الزكاة في المال المدفون لجميع السنين، ولم يوجبها في اللقطة إلا لعام واحد؛ ورد سحنون مسألة اللقطة إلى مسألة المال المدفون، فأوجب الزكاة فيها لما مضى من السنين، ورد مالك في رواية علي بن زياد عنه في المجموعة- المال المدفون إلى اللقطة، فلم يوجب الزكاة فيهما جميعا إلا لعام واحد، وهو أصح الأقوال في النظر؛ لأن الزكاة إنما وجبت في المال العين- وإن لم يحركه صاحبه ولا طلب النماء فيه، لقدرته على ذلك، وهو هاهنا غير قادر على تحريكه وتنميته في المسألتين جميعا، فوجب أن تسقط عنه الزكاة فيهما، ولقد روى ابن نافع عن مالك على طرد هذه العلة- أن الوديعة لا زكاة على صاحبها فيها حتى يقبضها فيزكيها لعام واحد، إذ لا قدرة له على تنميتها إلا بعد قبضها- وهو إغراق، إلا أن يكون معنى ذلك أن المودع غائب عنه، فيكون لذلك وجه؛ فهذه الرواية تدل على أن عدم القدرة على تنمية المال، علة صحيحة في إسقاط الزكاة عنه.
ووجه قول مالك في تفرقته بين المال المدفون واللقطة، أنه هو عرض المال بدفنه إياه لخفاء موضعه عليه، بخلاف اللقطة؛ قال ذلك ابن حبيب، وليس بفرق بين؛ لأنه مغلوب بالنسيان على الجهل بموضع المال المدفون، كما هو مغلوب على الجهل بموضع اللقطة، ووجه مساواة سحنون بينهما في وجوب الزكاة فيهما، هو ما اعتل به من استوائهما في الضمان منه فيهما، وعدم القدرة على التنمية هي العلة الصحيحة التي تشهد لها الأصول، وقال ابن المواز: إن دفنها في بيته فلم يجدها ثم وجدها حيث دفنها، فعليه زكاتها لما مضى من الأعوام؛ وإن دفنها في صحراء، فغاب عنه موضعها، فليس عليه فيها إلا زكاة واحدة- إذا وجدها، وهو قول له وجه، لأنه إذا دفنها في بيته، فهو قادر عليها باجتهاده في الكشف عنها؛ وقال ابن حبيب: في اللقطة إذا وجدها بعد أن كان يئس منها، استقبل بها حولا على أصله في المال المغصوب- إذا رد عليه، أنه يستقبل بها حولا كالفائدة، وقول سحنون: إن الملتقط إذا حبس اللقطة- ولم يحركها، زكاها ربها لما مضى من الأعوام، ولم يكن عليه هو فيها زكاة، معناه على مذهبه؛ ورواية ابن القاسم، وابن وهب عن مالك- إذا حبسها ليردها على صاحبها، أو ليتصدق بها عنه، لا ليأكلها؛ فإن حبسها ليأكلها، فليزكها لحول من يوم نوى ذلك فيها؛ ولابن القاسم في المجموعة: أنه لا زكاة عليه فيها إذا حبسها لنفسه ليأكلها بعد أن عرفها سنة- للحديث. ما لم يحركها، فإن حركها، فمن يومئذ تدخل في ضمانه.
قال محمد بن رشد: فإذا دخلت في ضمانه لحبسه إياها لنفسه، أو بتحريكها- على الاختلاف المذكور، سقطت عن ربها فيها الزكاة- قولا واحدا.

.مسألة قال هذه مائة دينار اتجر فيها ولك ربحها وليس عليك فيها ضمان زكاتها:

قال: وإذا قال رجل لرجل: هذه مائة دينار اتجر فيها- ولك ربحها، وليس عليك فيها ضمان، فليس على الذي في يديه ولا على الذي هي له زكاتها حتى يقبضها؛ فيزكيها زكاة واحدة لسنة، إلا أن يكون صاحبها ممن يدير، فيزكيها مع ماله إذا علم أنها على حالها. قال سحنون: أراها كالسلف وعليه ضمانها، بمنزلة الرجل يحبس المال على الرجل فينقص منه، إنه ضامن.
قال محمد بن رشد: لا اختلاف في هذه المسألة أنه لا ضمان عليه، لأن رب المال قد صرح بإسقاط الضمان عنه، وإنما قال سحنون: إنه ضامن بمنزلة الرجل يحبس المال على الرجل- إذا قال له اعمل به قراضا- ولك الربح كله، خلاف ظاهر قول ابن القاسم في كتاب القراض من المدونة. فوهم العتبي في سياقه قول سحنون على هذه المسألة، وقول ابن القاسم: إنه لا زكاة فيها على الذي هو في يده صحيح؛ لأنها ليست له، ولا هي في ضمانه؛ فسواء كان له بها وفاء، أو لم يكن، بخلاف السلف.
قال ابن حبيب: فإن ربح فيها عشرين دينارا، استقبل بها حولا، وهو صحيح أيضا؛ لأنها فائدة، إذ لا أصل له يزكيها عليه، فلا اختلاف في أنه يستقبل بها حولا. وأما قوله: إنه لا زكاة على صاحبه فيها، فوجهه: أنه لما أوجب ربحها لغيره لم يقدر أن يحركها لنفسه، فأشبه ذلك اللقطة التي سقطت عنه زكاتها، لعدم قدرته على تحريكها، وطلب النماء فيها؛ ويأتي على قول سحنون في مسألة اللقطة أن زكاتها عليه؛ لأن ضمانها منه؛ ومثله في المختصر لابن شعبان؛ قال: ومن دفع إلى رجل مالا يأكل ربحه، فالزكاة على ربه.

.مسألة عليه مائة دينار سلفا وليس له منها وفاء فأقامت بيده ستة أشهر:

وسئل: عن الرجل عليه مائة دينار- سلفا وليس له منها وفاء. فأقامت بيده ستة أشهر لا وفاء له منها، ثم أتته فائدة مائة دينار عند الستة أشهر، هل يزكي المائة التي كانت عنده سلفا- إذا تمت السنة من حين كانت عنده سلفا، أم يستقبل بها سنة من حين كان له بها وفاء، قال: بل يستقبل بها سنة من حين كان له منها وفاء، ولا يحسب في حولها بشيء مما مضى مما لم يكن له منها وفاء.
قال محمد بن رشد: هذا مذهب مالك في المدونة؛ لأنه قال فيها: إن الذهب السلف إذا وهبت للذي هي عليه بعد حلول الحول، وليس له بها وفاء استقبل بها حولا، إذ لا فرق بين أن يوهب له الذهب بعد أن حال عليه عنده الحول، أو يستفيد بعد حلول الحول فائدة يكون فيها وفاء بها؛ وقد روي عن ابن القاسم أن الزكاة تجب عليه فيها إذا حال عليها الحول، وإن لم يتم للفائدة عنه حول، وعلى هذا يأتي جوابه في مسألة رسم العرية، وحكاه ابن المواز عن أشهب، وأصحاب ابن القاسم: أصبغ، وغيره، وقال به، وهو قول غير ابن القاسم في المدونة: أن عليه الزكاة في الذهب إذا وهبت له بعد الحول- وإن لم يكن له وفاء بها، والقول الأول هو الصواب: أنه لا زكاة في المائة السلف حتى يتم للوفاء بها عنده حولا كاملا؛ لأن ما مضى من المدة قبل أن يستفيد الفائدة التي يجعلها وفاء بما عليه من السلف، لم يكن فيها مال لاستغراق الدين ما بيده من المال؛ فإذا زكاه قبل أن يحول على الفائدة الحول، فقد زكاه قبل أن يحول عليه الحول؛ لأنه لم يكن له مال إلا من يوم ملك الفائدة.

.مسألة يكون عنده المال سلفا وعنده منه وفاء فيتصدق له عليه قبل الحول أو بعده:

وسألته: عن الرجل يكون عنده المال سلفا، وعنده منه وفاء، فيتصدق له عليه قبل الحول أو بعده، قال: يزكيه حين يحول عليه الحول؛ لأنه مال من ماله، ولأنه لو لم يتصدق به عليه زكاه.
قال محمد بن رشد: هذا صحيح بين، وهو في المدونة لسحنون- بيانا لقول مالك، إذ لا اختلاف في ذلك.

.مسألة له عشرون دينارا يزكيها كل حول فحال حولها ولم يبق عنده منها إلا عشرة:

وسئل: عن رجل كانت له عشرون دينارا يزكيها كل حول، فحال عليها حول ولم يبق عنده منها إلا عشرة دنانير، فلما كان بعد الحول بأشهر، أسلف عشرين دينارا، فضم العشرين دينارا إلى العشرة، فاتجر فيها حتى صار له من الفضل ما تجب فيه الزكاة- إذا ضمه إلى العشرة؛ فقال: إذا كان قد حال على العشرة الحول، حتى ما صار له من الفضل في الثلاثين: العشرين السلف، والعشرة ما تجب فيه الزكاة إذا ضم إلى العشرة، أخرج العشرين السلف، ثم زكى العشرة وجميع الفضل: فضل العشرين السلف، وفضل العشرة؛ وذلك أني سمعت مالكا- وسئل عن رجل كانت له ثمانون دينارا، فاشترى سلعة بمائتي دينار ونقد فيها الثمانين دينار، أو لم ينقدها حتى مر حول الثمانين؛ فقال: إذا حال حول الثمانين، ضم فضل المائتي إلى الثمانين، فزكاها لا يبالي حال الحول على السلعة من يوم اشتراها، ولم يحل إذا حال عليها حول الثمانين؛ ومثله لو أن رجلا كانت له عشرة دنانير قد حال عليها الحول، فاشترى سلعة بمائة دينار بدين، ونقد فيها العشرة، فإنه يزكيها متى ما صار في فضلها ما يجب فيه الزكاة.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة وتحصيل ما فيها من الاختلاف مجودا في أول مسألة من سماع ابن القاسم، فلا وجه لإعادة شيء من ذلك. وقوله في آخر المسألة: فإنه يزكيها متى ما صار في فضلها ما تجب فيه الزكاة- يريد: متى ما صار في فضلها ما تجب فيه الزكاة مع العشرة التي كانت له، وبالله التوفيق.

.مسألة له مائتا دينار وحولهما مختلف وعليه مائة دينار دينا:

ومن كتاب العرية:
وسئل: عن الرجل يكون له مائتا دينار- وحولهما مختلف، وعليه مائة دينار دينا، فيحول حول إحدى مائتيه قبل حلول حول الأخرى، أيجعل دينه في هذه التي حال حولها، وينتظر بالأخرى؛ فإذا حال حولها زكاها، أم يزكي هذه التي حال حولها أولا ويجعل دينه في التي لم يحل حولها؛ قال: يزكي هذه التي حال حولها أولا، ويجعل دينه في التي لم يحل حولها؛ وذلك أني سمعت مالكا يقول في رجل كانت له مائة دينار ناضّة في يديه، ومائة دينار دينا، وعليه مائة دينار، فحال الحول على التي في يديه، فقال: يزكيها ويجعل دينه في المائة الدين، فمسألتك أبين من هذا- إذا كانت على مالئ.
قال محمد بن رشد: قوله إنه يزكي هذه التي حال حولها ويجعل دينه في التي لم يحل حولها، خلاف ما مضى في الرسم الذي قبل هذا أيضا في الذي عليه مائة دينار سلفا، فأقام ستة أشهر لا وفاء له بها، ثم أفاد مائة فأقام ستة أشهر، أنه لا يزكي المائة التي بيده قد حال عليها الحول، حتى يحول على الفائدة الحول، إذ لم يقل فيها إنه يجعل الدين الذي عليه من السلف في هذه الفائدة التي لم يحل عليها الحول، ويزكي المائة التي بيده وقد حال عليها الحول، كما قال في هذه، وهو مثل قول أشهب وأصبغ، واختيار ابن المواز، ومثل قول غير ابن القاسم في المدونة، ويلزم على قياس هذا القول إذا حل حول المائة الثانية التي جعل دينه فيها، أن يزكيها ويجعل دينه في الأولى التي كان زكاها؛ لأن الثانية تصير كالأولى بحلول الحول عليها، والأولى تصير كالثانية، إذ لم يحل حولها بعد؛ من أجل أن حولها من يوم كان زكاها، فكما زكى أولا الأولى بحلول حولها، وجعل الدين في الثانية التي لم يحل حولها، فكذلك يزكي أيضا الثانية بحلول حولها، ويجعله دينه في الأولى التي لم يحل حولها بعد، من أجل أن حولها من يوم زكاها؛ ثم إذا حل حول الأولى زكاها أيضا، وجعل دينه في الثانية، ثم إذا حل حول الثانية زكاها وجعل دينه في الأولى؛ فلا يزال على هذا القول يزكي كل مائة منها متى ما حال حولها، ويجعل دينه في الأخرى التي لم يحل حولها؛ إلا أن تكون الزكاة قد نقصتها ولم ينجبر النقصان بربح ربحه فيها، فيجعل من دينه فيها بقدر ما بقي منها، ويجعل بقية دينه في التي حال حولها، ويزكي بقيتها؛ بيان هذا، أنه إذا جعل دينه في الثانية التي لم يحل حولها، وزكى الأولى التي حال حولها، رجعت إلى سبعة وتسعين ونصف، فإذا حال حول المائة الثانية، جعل من دينه سبعة وتسعين ونصفا في السبعة وتسعين ونصف التي بقيت من الأولى، وجعل بقية دينه- وذلك ديناران ونصف في هذه الثانية التي حال حولها، وزكى بقيتها- وذلك سبعة وتسعون ونصف؛ هكذا أبدا كلما حل حول المائة الواحدة، جعل من دينه في الثانية عدد ما بقي منها، وجعل بقية الدين في التي حال حولها، وزكى بقيتها، هكذا أبدا، وسواء كان مديرا أو لم يكن؛ لأن المدير يزكي كل مال لحوله- كما يزكيه غير المدير، ولا يصح له من أجل الإدارة إذا كان له مالان مختلفان في أحوالهما، أن يزكيهما جميعا على حول أحدهما بتأخير الذي حل حوله، أو بتعجيل الذي لم يحل حوله.
وقد حكى ابن لبابة عن العتبي أنه قال: وهذا إذا لم يكن مديرا، وأما إن كان مديرا فلا زكاة عليه في المائة الثانية التي جعل فيها دينه إذا حل حولها؛ وذكر أنه سأل عنها ابن المزين، فقال: له عليه فيه الزكاة، وقال له: وسواء كان مديرا أو غير مدير، فقال له: وما دخول المدير هاهنا وغير المدير يا بليد؛ فأعلم العتبي بقوله، فقال له: أخطأ. قال ابن لبابة: وهو كما قال العتبي- قول ابن مزين فيها باطل.
قال محمد بن رشد: والصحيح ما قال ابن مزين: أنه قال: لا يفترق في هذا المدير من غير المدير، للعلة التي ذكرناها من أنهما يستويان في تزكية كل مال على حوله، وإنما يفترق المدير من غير المدير في مسألة سماع أبي زيد، وسيأتي الكلام عليها في موضعها- إن شاء الله تعالى؛ وهذا القول إذن يؤدي إلى ألا يسقط الدين زكاة العين؛ لأنه إذا زكى كل مائة منها لحولها كلما حل، وجعل الدين في التي لم يحل حولها أبدا، فلم يكن للدين تأثير في إسقاط الزكاة؛ فالقول الآخر- وهو قول ابن القاسم في الرسم الذي قبل هذا أصح أن يجعل دينه في المائة التي حال حولها، فلا يزكيها حتى يحول حول المائة الثانية، فيصير حولهما واحدا ومالا واحدا يجعل الدين فيه ويزكي ما بقي منه؛ وأما مسألة مالك التي احتج بها ابن القاسم في الذي بيده مائة قد حال عليها الحول وعليه مائة، وله دين مائة؛ أنه يجعل الدين الذي عليه في الدين الذي له، ويزكي المائة التي بيده؛ فلا حجة له فيها، إذ قد يحتمل أن يكون تكلم مالك على أن الدين الذي له قد حال عليه الحول، فهو لو قبضه اليوم أو باعه بعرض، ثم باع العرض بعين، لوجبت فيه الزكاة، فوجب أن يجعل دينه فيه، ويزكي ما بيده؛ وأما إن كان الدين الذي له لم يحل عليه الحول، فهي ومسألة ابن القاسم سواء في المعنى، ويدخلها الخلاف، فعلى ما في هذا الرسم بجعل الدين الذي عليه في الدين الذي له، وإن كان لم يحل عليه الحول، ويزكي ما بيده؛ وعلى ما في الرسم الذي قبله: لا زكاة عليه فيما في يده حتى يحول على الدين الذي له الحول، فيجعل الدين الذي عليه فيه ويزكي ما بيده، والله الموفق.

.مسألة زكاة المستفاد أثناء الحول:

ومن كتاب أوله أوصى أن ينفق على أمهات أولاده:
وسئل: عمن كانت بيده عشرة دنانير عشرة أشهر، ثم أفاد عشرة أخرى، فاشترى بهما جميعا سلعة، فباع تلك السلعة بعد حول العشرة الأولى بما يجب في كل واحدة منهما الزكاة بربحها؛ قال: يزكي العشرة الأولى بربحها، ويستقبل بالعشرة الفائدة وربحها- الحول من يوم استفادها.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة على المشهور من أن أرباح الأموال مزكاة على أصول الأموال، وقد مضى تحصيل ما في ذلك من الاختلاف في أول سماع ابن القاسم.

.مسألة تسلف عرضا فاتجر فيه حولا وفضل له ما تجب فيه الزكاة:

وقال: فيمن تسلف عرضا فاتجر فيه حولا، ثم رد ما استسلف من ذلك وفضل له ما تجب فيه الزكاة، أنه يزكي هذه الفضلة، وإن كان عنده أيضا من العروض وفاء لما كان استسلف، زكى ذلك أيضا وجعله بمنزلة من استسلف مائة دينار فاتجر فيها، واشترى عرضا بدنانير فاتجر في ذلك حولا ثم باع بعد الحول.
قال محمد بن رشد: قوله واشترى عرضا بدنانير فاتجر في ذلك حولا، ثم باع بعد الحول، يريد اشترى عرضا بدنانير دينا في ذمته، فاتجر في ذلك حولا، ثم باع بعد الحول، فأدى الثمن وبقي له الربح، وذلك كله صحيح على المشهور في المذهب من أن الأرباح مزكاة على أموال الأصول، إلا أن حول الربح الذي تسلف العرض واتجر فيه، محسوب من يوم اتجر في العرض، لا من يوم استسلفه، من أجل أن العرض لا زكاة في عينه، وحول الربح الذي تسلف الدنانير واتجر فيها، محسوب من يوم تسلف الدنانير؛ لأنه لا ضامن لها بالسلف، وفي عينها الزكاة، وحول ربح الذي اشترى العرض فاتجر فيه، محسوب من يوم اشتراه- إن كان اشتراه للتجارة، وإن كان اشتراه للقنية، ثم بدا له فاتجر فيه، فهو محسوب من يوم باعه، وقيل: من يوم نض ثمنه في يده، والله الموفق للصواب.

.مسألة الصدقة على آل محمد:

وسألت ابن القاسم: عن الحديث «لا تحل الصدقة لآل محمد»، فقال: إنما ذلك في الزكاة، وليس في التطوع؛ قلت له: فمواليهم؟ قال: لا أراهم من ذلك، ولا أرى بأسا أن يُعْطَوْا من الزكاة؛ فاحتججت عليه بالحديث الذي جاء «مولى القوم منهم». فقال: قد جاء حديث آخر: «ابن أخت القوم منهم»- يضعف بذلك حديث الموالي؛ قال أصبغ: وإنما تفسير «مولى القوم منهم» يريد في الحرمة منه بهم، والبر منهم به، كما يفسر الحديث: «أنت ومالك لأبيك»- يريد في الطواعية والبر، لا في الإلزام، ولا في القضاء؛ قال أصبغ: وآل محمد عشيرته الأقربون: آل عبد المطلب، وآل هاشم، وآل عبد مناف، وآل قصي، وآل غالب.
قال عيسى: قلت لابن القاسم: فلو أن رجلا فرق زكاة ماله، ألا يعطيهم منها وهم محتاجون؟ قال: لا يعطيهم. قلت: فإن فعل، أتجزئ عنه؟ قال: لا تجزئ عنه. قال ابن القاسم: إنما ذلك في بني هاشم أنفسهم.
قال أصبغ: وقد «جاء عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم نزلت: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214]، نادى بأعلى صوته: يا آل قصي، يا آل غالب، يا فاطمة بنت رسول الله، يا صفية عمة رسول الله، اعملوا لما عند الله، فإني لا أملك لكم من الله شيئا». فتبين بمناداته إياهم، أنهم عشيرته الأقربون؛ وقد اختلف الناس في سهم ذوي القربى من الفيء.
والغنيمة: من هم؟ فمن الناس من قال: محمد وقرابته- خاصة، ومنهم من قال: قريش كلها قربى. وقد بلغني عن ابن عباس أنه سئل عن ذلك، فقال: نحن هم- يعني آل محمد- وقد أبى ذلك علينا قومنا؛ قال أصبغ: الذي وجدت عليه معاني العلم والآثار، أنهم آل محمد خاصة.
قال محمد بن رشد: آل محمد- عَلَيْهِمْ السَّلَامُ- الذين لا تحل لهم الصدقة هم ذوو القربى الذين جعل الله لهم سهما في الفيء، وخمس الغنيمة؛ لأن الله حرم عليهم الصدقة على لسان نبيه، ونزههم عنها إكراما لهم؛ لأنها أوساخ الناس يغسلونها عنهم، وعوضهم من ذلك فيما جعل لهم من الحق في الفيء، وخمس الغنيمة، وقد اختلف في تمييزهم وتعيينهم، وفيما لهم من الحق في خمس الغنيمة وفي الفيء، وفيما يحل لهم من الصدقة، ويحرم عليهم منها؛ وهل يدخل مواليهم مدخلهم في ذلك أم لا؟ وهل حكمهم في ذلك بعد النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- كحكمهم في حياته أم لا؟ اختلافا كثيرا قد أفردنا الكلام فيه، وتحصيله وتلخيصه، وما تعلق به المختلفون في ذلك مسألة حاوية لجميع ذلك؛ فمن تأملها وقف عليها بشفاء من العلم بذلك، ووقف على الحقيقة فيه. وقول ابن عباس نحن هم- يعني أن بني هاشم هم ذوو القربى- دون سائر قريش، يبين ذلك ما روي عنه من أنه قال: وقد أبى ذلك علينا قومنا، وقالوا: قريش كلها قربى. وقال ابن حبيب: معنى قوله أبى ذلك علينا قومنا أي أبوا أن يكون لنا فيه جزء معلوم، وهو تأويل بعيد، يرده ما روي عنه من قوله، وقد أبى ذلك علينا قومنا، وقالوا: قريش كلها قربى.